التفكير الناقد: تعريفه، أهميته، معوقاته، مهاراته، مستوياته، خطواته، ومعاييره

التفكير الناقد

في عالم مُمتلِئ بالمعلومات والتحدّيات، أصبح التفكير الناقد أداة حيوية للتفوّق والنجاح في مختلف جوانب الحياة.

تُعدّ مهارة التفكير الناقد أكثر من مجرّد معرفة، بل هي نهج حياتي يُتيح للأفراد فهم العالم فهمًا عميقًا ودقيقًا، وبذلك، الاستجابة له بفعاليّة.

في هذه المقالة، سوف نستكشف مفهوم التفكير الناقد، وأهميته في الحياة اليومية، وكيفية تطوير هذه المهارة الحيوية.

سوف نُلقي الضوء على أُسس ومبادئ التفكير الناقد، وسوف نتناول الخُطوات العمليّة التي يُمكن اتّباعها لتطوير هذه المهارة لدى الفرد.

سوف نكشف أيضًا لكم عن كيفيّة استخدام التفكير الناقد في تحليل الأفكار والمعلومات التي نتلقّاها من وسائل الإعلام والمصادر الأخرى، وكيف يُمكن لهذه المهارة أن تمنحنا القُدرة على اتخاذ قرارات صائبة.

تعريف التفكير الناقد

التفكير الناقد (Critical thinking) هو نمط من التفكير يهدف إلى تقييم وتحليل الأفكار والحجج والآراء والمواضيع العامّة بطريقة بنّاءة وموضوعية، وذلك باستخدام مبادئ المنطق والتحليل، والتقييم، والتفسير والوصف.

هذا يُتيح لنا التوصّل إلى استنتاجات منطقية والتوصّل إلى قرارات سديدة، وليس قرارات عمياء مبنيّة على المعتقدات الشخصيّة ووجهات النظر الفردية.

يضمّ التفكير الناقد القدرة على التعرّف إلى التحيّزات الشخصية والتحكّم فيها، والتحلّي بالصبر والحذر والتأني في اتخاذ القرارات.

أهمية التفكير الناقد

تكمن أهمية التفكير الناقد في تعزيز الاستقلالية الفكرية والقُدرة على التمييز بين الحق والباطل.

يُساعد التفكير الناقد الأفراد على تطوير قدراتهم في استنتاج الأفكار والتحليل العميق للمعلومات، ما يحدّ من التأثيرات السلبية للتلاعب الإعلامي.

كما يُعزّز التفكير النقدي القُدرة على التفكير المنظم والمنطقي، وبذلك يسهم في تحسين التواصل والتفاعل مع الآخرين وفهم وجهات نظرهم على نحو أفضل.

معوقات التفكير الناقد

التفكير الناقد ليس سهلًا كما يعتقد بعض الناس، أو عامة الناس، لأنّه عندما نُحاول أن نُفكّر بطريقة ناقدة، تواجهنا عدّة تحدّيات تقف في طريقنا وتمنعنا من التفكير بطريقة نقدية.

هذه الأمور يمكن لها أن تكون عائقًا لنا في تطوير مهارات التفكير الناقد الخاصة بنا.

معوقات التفكير الناقد
معوقات التفكير الناقد

إذن، ما هي معوقات التفكير الناقد؟

تتضمّن معوقات التفكير الناقد: الأنانية، والتفكير الجماعي، والتأثر الاجتماعي، والتحيزات الشخصية، والقلق، والغرور، والخوف، والكسل، والتحيز للحالة الطبيعية، والتجارب السابقة، والافتراضات …

الأنانية

عند الحديث عن معوقات التفكير الناقد، أول شيء ينذر ببالنا هو الأنانية، هذا السلوك الذي لا يُطيقه أحد، ويجعل الناس تنفر منّا.

إذن، ما هي الأنانية؟

الأنانية (بالإنجليزية self-centredness) هي سلوك غير مرغوب نهائيًا ويتمثل في (الإفراط في حب النفس والإعجاب بها، مع عدم التفكير في الآخرين.)

عند تعريف الأنانية يظهر أنّ الأنانية قد تُعرقل عملية تفكيرك خاصة عندما ترغب في التفكير بطريقة ناقدة.

إذا أردت أن تتجنب ذلك، عليك أن تكون منفتحًا على آراء الآخرين، والتعاطف معهم، والعمل بنظرياتهم إذا كانت غير مضرّة لك.

التفكير الجمعي

يُعدّ “التفكير الجمعي” (Groupthink) من الحواجز عندما يتعلّق الأمر بالتفكير الناقد، لأنّه يجعل الشخص غير حر في أفكاره ويدفعه إلى تبني أفكار الجماعة رغماً عنه، خُصوصًا إذا أراد أن يبقى في مأمن عن انتقاد الآخرين.

من أجل اجتناب هذه الإشكالية، عليك التحلي بالشجاعة، وأن تعبّر عن آرائك، ومواقفك، واعتقاداتك بلا خوف، لأنّ: “الساكت عن الحق شيطان أخرس.

التأثير الاجتماعي

التأثّر الاجتماعي (بالإنجليزية: Social influence) هو ظاهرة منتشرة لدى عامة الناس، وتكمن في تأثر مشاعر الناس وآرائهم وسلوكياتهم بالآخرين بسبب التنشئة الاجتماعية للشخص أو الخوف من كلام الناس أو الإشارة إليهم بأصبع الاتهام، لأنّهم يخالفون معتقدات الأغلبيّة.

إذا كنت من هؤلاء المتأثرين اجتماعيًا، فأنت في ورطة كبيرة، يُمكنها أن تؤثر في أفكارك وتجعلك تفكر داخل صندوق المجتمع.

كما هو معلوم، فمن لا يفكّر خارج الصندوق ليس مبدعًا إطلاقًا. إذا كنت متأثرًا بالمجتمع الذي تعيش فيه، سوف تتبنى أفكاره ليس لأنّها أقنعتك، لكن لأنّك خائف من التعبير عن آرائك والخروج من الصندوق (يمكن للصندوق أن يكون أفكار الأغلبية).

التحيزات الشخصية

عندما نحاول أن نفكّر، تأتي الانحيازات الخاصة بنا لكي تمنعنا من التفكير في أمور قد تكون حسب المجتمع الذي نعيش فيه غير جيدة أو تخالف المعتقدات السائدة.

باختصار، “التحيزات الشخصية” (Personal bias) هي كافة الأفكار والمعتقدات التي توافق معتقداتنا أو تؤيّدها.

إذا أردت أن تصبح مفكرًا ناقداً، فعليك أن تتعرف إلى انحيازاتك، ومنعها من اتخاذ القرارات عوضًا عنك.

نصيحة: لكي تحارب الانحيازات الخاصة بك، عليك الأخذ بعين الاعتبار الأدلّة والحقائق والبحوث العلمية الموثوقة وآراء الآخرين، بعد ذلك ادرسها وحللها وقيمها.

القلق

إذا كنتَ قلقًا طول الوقت، فقد يؤثر ذلك في قدرتك على التحليل والتفكير واتخاذ القرارات.

أحيانًا قد يُحبّ بعض الناس العمل تحت الضغط، لكن العمل تحت الضغط لا يُناسب الناس كافةً، خصوصًا القلقين منهم.

ما هو القلق إذن؟

القلق (Anxiety) هو عدم الاستقرار النفسي أو الانزعاج عندما يحدث أمر لم تخطط له سلفًا.

لكي تكون مفكرًا ناقدًا، عليكَ أن تتجنبَ القلقَ ما أمكنَ باتباع نظام غذائي صحي والابتعاد عن الأشخاص السلبيين، وممارسة الرياضة على الأقل مرتين في الأسبوع.

الغرور

يقول توفيق الحكيم، الكاتب والأديب المصري، عن الغرور (Vanity): “ما الغرور إلاّ وجه من وجوه الجهل.” لذلك يُعدّ الغرور من عوائق أو معوقات التفكير الناقد، لأنّ المغرور يعتقد على نحو دائم أنّه يعرف أكثر من الآخرين وأنّه يستطيع حل مشكلاته ومشكلات الآخرين بأسرع ما يمكن دون مساعدة الآخرين له.

في الحقيقة، الإنسان لا يستطيع أن يعرف كل شيء مهما بلغ ذكاءه وقوّة حفظه، بل يعرف قليلًا وربما يكون جاهلًا من غير دراية. يقول الله عز وجل: “وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا.

الخوف

يُعدّ الخوف (Fear) من أبرز العوائق أو المعوقات التي تؤثر بطريقة غير إيجابية في حياتنا الشخصية، وتمنعنا منعًا كُليًّا من التقدم وبداية مغامرات جديدة. إضافةً إلى ذلك، قد يؤدي الخوف إلى فقدان الثقة بالنفس وفقدان الحافز الذي يدفعنا إلى الأمام.

هناك عدّة أسباب للخوف مثل القلق، واليأس، والفشل المتكرر، وتقدير الذات المنخفض.

بالتعرف إلى الأسباب المختلفة التي تُحدث الخوف، فسوف يسهُل عليك محاربته، والتخلص منه لكيلا يقف لك من جديد عائقًا في طريقك من أجل تطوير مهاراتك، لا سيما: تطوير مهارات التفكير الناقد وتطوير المهارات الناعمة.

الكسل

عندما نتحدّث عن الكسل (بالإنجليزية: Laziness)، فبطبيعة الحال نشير إلى أحد أكبر أعداء النجاح الذي عرفه الإنسان على مرّ العصور.

إذا كنتَ كسولًا وترغب في تحسين مهاراتك، فأول عدو لك هو الكسل.

الكسل إذًا هو التهاون في فعل ما يجب فعله من أجل تطوير مهاراتك الشخصية والناعمة أو غيرها من الأمور.

يُعدّ الكسل من عوائق التفكير الناقد بطريقة غير مباشرة، على سبيل المثال لا الحصر، إذا أردت أن تطوّر مهارات التفكير الناقد الخاصة بك، مثل مهارة البحث، في هذه الحالة، عليك أن تكون مجتهدًا ومثابرًا، وتبحث دائمًا عن المعلومات التي أنت بحاجة ماسة لها سواء على شبكة الإنترنت أو في الكتب أو في غيرها من المصادر الموثوقة.

التحيز للحالة الطبيعية

يُعدّ الانحياز للسواء أو التحيز للحالة الطبيعية (بالإنجليزية Normalcy bias) من أخطر معوقات التفكير الناقد، لأنّه يقنعنا بالاستهانة بالأمور وأنّ الأمور ستبقى كما كانت ولن تتغير.

تعوق هذه المغالطة المنطقية التفكير الناقد، لأنّها تستند إلى رأينا الشخصي، والعواطف عند الرغبة في اتخاذ القرارات عوضًا عن التفكير المنطقي.

فضلاً عن ذلك، فهي تُشجّع عقلنا على تجاهل الخطر والمعلومات الجديدة من أجل البقاء في مأمن وفي راحة.

على سبيل المثال، قد يقودنا التحيّز للحالة الطبيعية إلى الاعتقاد أنّ الذكاء الاصطناعي لن يؤثر في المهن مستقبلاً، لأنّه لم يؤثر فيها حاليًا.

التجارِب السابقة

تؤثر التجارِب السابقة (Past experiences) وعلاقاتنا الفاشلة وصدماتنا العاطفية فينا بطريقة ملحوظة في أغلب جوانب الحياة، ما حدث في الماضي يمكنه أن يؤثر في طريقة تفكيرنا، والأمور التي سوف تحدث مستقبلاً. هذا هو الأمر الواقع، لكن لا ينبغي لنا الاستسلام للتجارب السابقة وتركها تقرّر مكاننا، لأنّ الماضي مرّ ولن يعود أبدًا. عوضًا عن الندم على ما فاتنا، علينا التفكير في اللحظة الحالية، والعمل على تطوير مهاراتنا الناعمة من أجل التعامل والتفاعل مع العالم الخارجي كما ينبغي.

بطبيعة الحال، لا ينبغي لنا ترك تجاربنا السابقة، تُؤثر في أفكارنا بطريقة سلبية، بل عليها أن تكون درسا لنا، وعلينا التعامل معها بطريقة موضوعية وليست بطريقة ذاتية.

إنّ الاستناد على تجاربنا الماضية في التفكير، قد يكون أسوأ شيء يمكن أن يعوق طريقة تفكيرنا خصوصًا عندما نرغب في التفكير بطريقة منطقية أو ناقدة.

الافتراضات 

تُعدّ الافتراضات (Assumptions) من أبرز معوقات التفكير الناقد، لأنّها تكبح قدرتنا على التعلّم، وقدرتنا على طرح الأسئلة، يحدث هذا الأمر لأنّ ظنوننا الشخصية تقنعنا أنّنا نعرف ولا نحتاج مزيدًا من المعرفة.

في السياق ذاته، قد نرى أنّ بعض الناس لا يعرفون أنّهم لا يعرفون وهذا ما نسميه بالجهل المركَب. 

يُعدّ الجهل المركَب أيضًا من معوقات التفكير الناقد، ومن الصعب أن يتخلص منه صاحبه.

إذا أردت أن تتفادى الجهل المركَب، عليك أن تقرأ في مجال تخصصك وفي ميادين قريبة من تخصصك من أجل إثراء رصيدك المعرفي وتطوير قدرتك على التحليل، هذا أمر سهل، لأنّ البشر لديهم القدرة على تعلم أشياء جديدة بعض النظر عن صعوبتها أو سهولتها.

خلاصة القول، العدو الأول للتفكير الناقد هو الجهل المركَب، أي اعتقاد الشخص أنّه يعرف في حين أنّه لا يعرف.

مهارات التفكير الناقد

مهارات التفكير الناقد هي مجموعة من المهارات (مثل: البحث والفضول المعرفي والتحليل والاستدلال المنطقي) تُساعدنا على تنمية الحسّ النقدي الخاص بنا.

من الصعب أن تُطوّر نفسك دون تحديد نواقصك ونقاط ضعفك والأشياء التي لا تبرع فيها، حتّى لو كانت لديك إرادة تُكسّر الحجر.

مهارات التفكير الناقد
مهارات التفكير الناقد

مثلا، عندما تحلّل مشكلة مّا أو وقائع أو تقدّم حججًا، فأنت بذلك مفكر ناقد، لكن هذا أمر غير كاف، لأنّك بحاجة ماسة إلى تنمية مهارات التفكير الناقد الخاص بك، لا سيّما في هذا العصر الذي كثُرت فيه الأدلة والبحوث العلمية.

عندما نتكّلم عن التفكير الناقد، فنحن نشير إلى تأويل المعلومات بهدف التوصّل إلى استنتاجات لكن هذا غير كاف من أجل تطوير مهارات التفكير الخاصة بنا دون اتباع بعض التوصيات الضرورية مثل: تحديد موضوع، والبحث، وتحديد الانحيازات الشخصية، واللجوء إلى الاستدلال العقلي، والربط بين مختلف المعلومات، والفضول المعرفي، والتحليل، والإبداع، وتفتح الذهن، والتحلي بمهارة حل المشكلات …

تحديد الموضوع

لا يمكن لنا أن نصدر أحكامًا دون تحديد الموضوع الذي نريد أن نحلله ونصفه، لذلك فتعدّ مهارة تحديد الموضوع أو المشكلة من الأمور الضرورية عندما نرغب في تطوير مهارة التفكير الناقد الخاصة بنا.

مع أنّ تحديد الموضوع قد يبدو أمرًا بسيطًا، إلا أنّه يمثل خطوة أساسية وضرورية في التفكير الناقد.

ما هي إذن مهارة تحديد الموضوع أو الإشكالية؟

بكلمات بسيطة فمهارة تحديد الموضوع هي مهارة يستعملها الناقد من أجل تحديد وتعيين العناصر المكونة لقضية مّا ووصفها وصفا دقيقًا.

البحث

عندما تواجه الإنسان مشكلة مّا أو يريد أن يعرف أمرًا مّا، فأول ما يخطر بباله هو البحث، إذن فمهارة البحث عن المعلومات التي نريدها أمر غاية في الأهمية، خصوصًا عندما نريد تطوير أنفسنا، أو إغناء رصيدنا المعرفي، أو إيجاد حلولًا لمشكلتنا، أو اتخاذ قرارات سليمة وحكيمة.

ملاحظة: عندما تريد أن تبحث عن معلومة مّا، فعليك أن تلجأ إلى أصحاب الاختصاص وتقرأ كتبهم (تعرّف إلى فوائد القراءة)، لأنّ المتخصص في مجاله متعمّق ويعرف الصغيرة والكبيرة عن مجاله، هذا الأمر سوف يساعدك ويُسهّل عليك البحث في مصادر موثوقة.

تحديد الانحيازات

جميعنا، إن صح التعبير، ننحاز من وقت إلى آخر بوعي أو من غير وعي، لذلك على الشخص أن يكون حذرًا عندما يريد أن يتخذ قرارًا أو أن يحلّ مشكلة مّا، لأنّ الانحياز أمر لا مفر منه، لكن تحديده سوف يساعدنا على التفكير بطريقة حيادية وموضوعية.

إذن ما هو الانحياز؟

ببساطة الانحياز هو الميل إلى أفكارنا ومواقفنا في الدرجة الأولى وعدم الأخذ بعين الاعتبار آراء وأفكار الآخرين للوهلة الأولى أو لأنّها لا توافق أفكارنا ومعتقداتنا.

الاستدلال العقلي

عندما نذكر الاستدلال، فنحن بذلك نشير إلى العقل، والحجّة، والدليل.

تُعّد العناصر الثلاث، أي: العقل والحجّة والدليل من الأساسيات عندما نتحدث عن التفكير الناقد، لذلك إذا أردت أن تصبح مفكرًا ناقدًا، فعليك أن “تتوصّل إلى معرفة الشيء والبحث فيه وإعمال العقل بالحجة والدليل لإثباته”.

ملاحظة: الدليل هو المعلومات أو الأدلّة القوية التي تثبت صحة أو خطأ وجهة نظر مّا.

الربط بين الأفكار والمعلومات (الصلة)

عندما تواجهك مشكلة مّا وتريد حلّها، فبمجرد البحث تجد كما هائلًا من المعلومات منها ما هو مفيد ومنها ما هو غير مفيد، في هذه الحالة، تصبح مهارة الربط بين الأفكار أمرا لا غنى عنه.

كما هو معروف، فجميع المفكرين الناقدين يُتقنون هذه المهارة ويربطون بين الأفكار بسلاسة، حتّى لو كانت هذه الأفكار تنحدر من مجالات متعددة مثل: الفلسفة وعلم الاجتماع والدين والقصة، وغيرها من الأمور.

يُمكن تطوير مهارة الربط بين الأفكار عن طريق القراءة والاطلاع على مصادر متعددّة والتفكير بشكل منطقي، والمشاركة في المناقشات والحوارات وتبادل الآراء والأفكار مع الآخرين.

الفضول المعرفي

عندما نتحدث عن الفضول المعرفي، فسوف نُحيل مباشرةً إلى الكُتّاب والفلاسفة والعُلماء والمفكرين والمتخصصين في مجالاتهم، لا يمكن لأيّ شخص أن يتعمّق في مجال مّا دون فضول علمي يدفعه إلى ذلك.

إذا أردت أن تكون مفكرًا ناقدًا، فعليك أن تقرأ بنهم من أجل تطوير المهارات الخاصة بك وإغناء رصيدك المعرفي.

عندما يصبح الشخص مثقفًا ومملوء الرأس بأفكار بناءة ومعلومات عدّة في شتى المجالات، يُصبح من السهل عليه أن يرصد ما يحدث من حوله بعين ناقدة – هذه المعرفة هي التي ستكون له معاونة في حل مشكلاته والتكلّم بإقناع واتخاذ قرارات حكيمة في أغلب الأحيان.

التحليل

يُعدّ التحليل من المهارات الأساسية عندما يتعلق الأمر بالتفكير الناقد… لا يمكن لأيّ أحد أن يصبح مفكرًا ناقدًا دون التمكن من أبجديات التحليل. في بعض الأحيان، عندما يسمع الناس التحليل يظنون أنّه مهارة صعبة، لكن العكس من ذلك. يستطيع أي شخص أن يحلّل أيّ مشكلة بتفكيك مكوناتها أو عناصرها. عند تفكيك مشكلة مّا نعرف كيف حدثت، سوف يُساعدنا ذلك في حل هذه المشكلة واتخاذ القرار الصحيح.

يُمكن استخدام مهارة التحليل في المجالات جميعها، سواءً المجالات العلمية، أو الاجتماعية، أو الثقافية، أو غيرها، وتُعدّ مهارة حاسمة من أجل النجاح في أيّ مجال.

الإبداع

لا شك في أن الإبداع عنصر مهم في التفكير الناقد، ومن دونه لن نُفكّر بطريقة إبداعية ولن نُحطّم الصندوق المعتقلين فيه بأفكار قديمة لا توافق عصرنا الحالي.

لكي تكون مفكرًا ناقدًا، عليك أن تُطوّر مهارات الإبداع الخاصة بك، لكي لا تخاف مجددًا من طرح أفكار أصلية أو جديدة.

تفتّح الذهن

قد تُلاحظ أنّ المفكرين الناقدين متفتحون على آراء الآخرين، مع أنّها قد تُخالف أفكارهم أحيانًا، ومع ذلك لا يقاطعون أيًّا، بل يستمعون لهم ويناقشونهم بالتي هي أحسن.

إذا أردت أن تُطوّر مهارات التفكير الناقد الخاصة بك، عليك أن تكون منفتحًا على آراء الآخرين وأن تستفيد منهم. إذا كانت أفكارهم صائبة، فخذ بها، وإذا كانت سقيمة، فاتركها.

مهارة حل المشكلات

قد تُساعدك مهارة حل المشكلات على أن تُصبح مفكرًا ناقدًا، لأنّ مهارة حل المشكلات تكمن في تفكيك المشكلة واقتراح حلول لها. في أحيان أخرى، يحل المفكرون الناقدون مشاكلهم بسهولة، لأنّهم يملكون عيوناً ثاقبة وأفكاراً في شتى المجالات تُساعدهم على حل المشكلات بطريقة إبداعية، أي خارجة عن المألوف.

خطوات التفكير الناقد أو مراحل التفكير الناقد

مع أنّنا نفكر بطريقة نقدية من وقت لآخر دون دراية، إلّا أنّنا لا ننتقد بطريقة منهجية، بل ننتقد بطريقة عشوائية وغير مدروسة.

خطوات التفكير الناقد
خطوات التفكير الناقد

لهذا السبب، في هذه المقالة سوف نعرض لكم خطوات التفكير الناقد من أجل استعماله بطريقة علمية.

تكمن خطوات التفكير الناقد في: جمع المعلومات + التحليل + التقييم + التطوير المستمر.

جمع المعلومات

جمع المعلومات هو عملية ضرورية خاصة عندما يتعلق الأمر بالتفكير الناقد أو أي نمط آخر من التفكير.

لكي تصبحوا مفكرين ناقدين، فعليكم أن تجمعوا الكثير من المعلومات التي بمقدورها مساعدتكم على إصدار أحكام سديدة واتخاذ قرارات سليمة وحل المشكلات بإبداع.

لذلك، نوصيكم على نحو دائم بالقراءة والبحث عن المعلومات والأفكار لكي تُطوروا مهارات التفكير الناقد الخاصة بكم بصورة ملموسة.

التحليل

يأتي التحليل بطبيعة الحال بعد جمع المعلومات اللازمة من أجل حل مشكلة مّا.

يهدف التحليل بطبعه إلى تفكيك عناصر أو أجزاء المعلومات المتوفرة والاحتفاظ بالمعلومات المناسبة للمشكلة التي تواجهكم.

التقييم

يُؤدّي التقييم دورًا مهمًا في التفكير الناقد، حل المشكلات، أو اتخاذ القرارات، لأنّه يُساعد على إصدار أحكام حول المعلومات والأفكار التي تم جمعها وتحليلها، بهدف التحقق من مدى جودتها وملاءمتها للقضية المعينة، ومن ثم اتخاذ القرارات الصائبة أو إصدار الأحكام السديدة.

التطوير المستمر

التطوير المستمر ركن مهم من أركان النجاح في أي قطاع من القطاعات، لأنه من غيره لن نطوّر مهاراتنا إطلاقًا.

إذا شئتم تطوير مهاراتكم الخاصة، فيجب عليكم القراءة باستمرار في مجال تخصصكم أو مشاهدة دورات أنشأها المتخصصون في مجالاتهم.

هذا الأمر سوف يجعلكم تُنمون المهارات الصلبة في مجال تخصصكم، ما سوف يساعدكم على اتخاذ قرارات سديدة وحل كافة المشاكل التي تواجهكم أو تواجه الناس الذين تربطهم عَلاقة بكم.

في السياق نفسه، إذا رغبتم في تنمية مهارات التفكير الناقد الخاصة بكم، فلا بد أن تطالعوا كتب عالية الجودة ومكتوبة من طرف متخصصين وليسوا متطفلين عن المجال.

أنواع التفكير الناقد

هناك عدّة أنواع للتفكير الناقد بما في ذلك: التحليل، والاستدلال، والتقييم.

  • التحليل: يتضمّن تفكيك المعلومات المعقدة إلى أجزاء أصغر، وفحص العلاقات بين هذه الأجزاء.
  • الاستدلال: يتضمّن اتخاذ استنتاجات منطقيّة ومعقولة بناءً على الأدلة المتاحة.
  • التقييم: يتضمّن تقييم قوة وضعف الحجج أو المطالبات، واستخدام الأدلة والمنطق لاتخاذ قرارات بشأن صحتها.

معايير التفكير الناقد

تُعدّ معايير التفكير الناقد أمرًا مهمًا لتقييم جودة الأفكار والتحليلات، وتُساعد على تطوير القُدرة على التفكير بطريقة منطقية وموضوعية. من بين هذه المعايير: الوضوح والدِّقَّة والصِحَّة والمطابقة والاتساق والمنطقية والشمولية (الإحاطة) والإنصاف.

حسب ريتشارد بول وليندا إلدر، (Critical thinking standards) معايير التفكير الناقد 8 ثمانية بما في ذلك: الوضوح والدِّقَّة والصِحّة والمطابقة والاتساق والمنطقية والشمولية (الإحاطة) والإنصاف.

معايير التفكير الناقد
معايير التفكير الناقد

الوضوح

قبل تقييم حجة شخص ما بطريقة فعّالة، فإننا بحاجة ماسة لفهم ما يقوله بطريقة واضحة، لكي لا نسقط في الخطأ.

ولكن، للأسف، يُعاني معظم الناس من عدم القدرة على التعبير عن آرائهم بوضوح، سواءً بسبب نقص الخبرة أو اللامبالاة. في بعض الأحيان، يُعبّر الشخص بطريقة غير مفهومة أو يستخدم كلمات غير شائعة ليبدو أكثر ذكاءً وعمقًا وتعلمًا وثقافة، في حين أن الحقيقة عكس ذلك.

لذلك، يسعى المفكرون الناقدون بشكل دائم إلى التعبير عن آرائهم بوضوح وبلغة يفهمها الناس عمومًا. الوضوح هو أساس التواصل الفعال والتفاهم بين الأفراد. عندما يكون الشخص واضحًا في تعبيره، يسهل على الآخرين فهم أفكاره ومواقفه واتجاهاته.

من الواضح من المقدمة أن الوضوح (Clarity) هو واحد من أهم معايير التفكير الناقد التي يجب علينا تبنيها والعمل بها من الآن فصاعدًا.

الدِّقَّة

أغلب الناس يدركون أهمية الدِّقَّة (Precision) خصوصًا في مجالات حساسة مثل الطب والرياضيات والهندسة والعمارة، حيث يمكن أن يؤدي غياب الدِّقَّة إلى نتائج غير مرغوب فيها.

لهذا السبب، يصر المفكرون الناقدون دائمًا على التعرف إلى المشكلات بدقة لتجاوز الالتباس أو الغموض، من خلال طرح الأسئلة المناسبة مثل: ما هي المشكلة التي نواجهها بالضبط؟ وهل هناك بديل أو بديلات؟ وإذا كان هناك بديل، ما هي الإيجابيات والسلبيات المترتبة عنه؟

بالتحليل المستمر والتركيز على الدِّقَّة، يظهر احترام لمعايير التفكير الناقد، وهي أساسية عند النظر في إصدار الأحكام أو تقييم القضايا.

الصِحّة

هل تعرفون أنّ الاعتماد على معلومات خاطئة، سوف يؤدي دائمًا إلى قرارات خاطئة، لذلك تلعب (Accuracy) صِحّة المعلومات دورا عظيمًا حينما يتعلق الأمر بالتفكير الناقد.

يُعدّ التحقق من صحة المعلومات والأدلة والتأكد من مصداقيتها ومصدرها قبل اعتمادها في اتخاذ القرارات أو الإدلاء بالآراء، من أهم معايير التفكير الناقد.

في الواقع، المفكرون الناقدون يقدّرون الحقيقة ويبحثون في غالب الأحيان عن معلومات صحيحة ودقيقة قبل اتخاذ القرارات الحاسمة أو حل مشكلة تقابلهم.

تطابق ومطابقة (الصلّة)

عند الاستماع إلى شخص ما يعبر عن آرائه أو يناقش موضوع مّا، فأول ما يخطر ببالنا هو الصلّة بين أفكاره، إذا كانت أفكاره متطابقة سمعنا له بانتباه وإذا كانت أفكاره غير واضحة ولا صلّة بينها، تتشتت أفكارنا ونتمنى لو سكت.

لهذا السبب، إذا أردتم أن تناقشوا أو تعبّروا عن آرائكم ووجهات نظركم، فعليكم جعل أفكاركم مترابطة ومتطابقة وتتكلم عن موضوع واحد وليست تناقش عدّة مواضيع لعلّها تختلف عن بعضها البعض.

في الواقع، توافق الأقوال أو الصلّة (Relevance) هو أمر غاية في الأهمية خصوصًا في التفكير الناقد، لأنّه يُعدّ من أبرز معاييره التي لا غنى عنها.

الاتساق

الاتساق (Consistency) هو التنظيم في الأفكار.

يُعدّ الاتساق من معايير التفكير الناقد الأساسية، لأنّ علم المنطق يخبرنا أنّ الشخص الذي يمتلك عدّة معتقدات غير متسقة، فواحد من اعتقاداته تكون خاطئة. لذلك، يتقصى المفكر الناقد على نحو دائم طريقة تفكيره وحججه إذا ما كنت تحتوي على تناقضات أم لا.

للفائدة، هناك نوعان من التناقض، تناقض منطقي، يتجلى في قول أو اعتقاد أمور غير متسقة في قضية مّا وتناقض عملي، أي قول شيء ويفعل شيء آخر.

أحيانًا، قد تلاحظون أنّ أغلب أقوال الناس تخالف أفعالهم، هذا لا يعني أنّهم غير مفكرين ناقدين، بل بوصلتهم الأخلاقية فقدت اتجاهها. لذلك، عليكم التركيز على أقولهم، أمّا أفعالهم، فهم يتحملون مسؤوليتها.

يساعدنا التفكير الناقد والاتساق، الذي يُعدّ من معايير التفكير الناقد، على الاحتراس من التناقضات العملية والتعامل معها بعقلانية، لأنّ أغلب الناس يعتنقون دون إدراك معتقدات غير متسقة بشأن موضوع مّا.

جميعنا سبق لنا أن رأينا أشخاصًا يدّعون أنّ الأخلاق نسبية في حين أنّ أفعالهم تبيّن خلاف ذلك، هنا يأتي دور التفكير الناقد في التعرّف إلى هذه التناقضات غير المنطقية وتجنبها بالدرجة الأولى.

المنطقية

التفكير بطريقة منطقية يُعادل التفكير بطريقة صحيحة، التفكير بطريقة صحيحة يعني استخلاص استنتاجات من الاعتقادات التي نتبناها، أمّا عندما يتعلق الأمر بالتفكير الناقد، فنحن نحتاج إلى اعتقادات متسقة ومدعومة بحجج قويّة وخاضعة إلى التفكير المنطقي وليست مبنية على تفكير عشوائي وغير منطقي كما هو شائع بين الناس.

ممّا سبق، يظهر أنّ المنطقية (Logical Correctness) واحدة من معايير التفكير الناقد الضرورية في التفكير المنطق خصوصًا إذا شئنا بناء حجج قوية وغير قابلة للتفنيد.

الإحاطة والشمولية

الناس بطبعهم يحبون الشمولية (Completeness) أو التفكير الشامل والعميق ويكرهون بشدة التفكير السطحي وغير الكامل. لعلكم أيضًا تكرهون الأخبار غير الكاملة أو القصص السطحية أو الأفلام غير المكتوبة بحبكة أو الغامضة …

في المرة القادمة، إذا أردت أن تعبّر عن آرائك، فعليك صياغتها بطريقة واضحة ومتسقة ومنطقية وتجنب اللغو والحشو فيمَا تقولون. لأنّ الشمولية والإحاطة من معايير التفكير الناقد والبلاغة لأنّهما يساعدان على تغطية جميع جوانب الموضوع المطروح بطريقة مفهومة وسهلة …

الانصاف

في الأخير، يمكن أن نقول إنّ الإنصاف (Fairness) هو أحد المعايير التي تميّز المفكرين الناقدين، لأنّ التفكير الناقد يتطلب تفكيرًا منصفًا وذهنا منفتحًا وتفكيرًا غير متحيز خال من التحيزات الشخصية.

في الواقع، قد يكون ذلك عسيراً لأنّ الناس بطبيعتهم يقاومون الأفكار الجديدة ويخافون منها ويحكمون عليها بسلبية قبل تحليلها وتقييمها …

قد يكون من الصعب بين حين وآخر التفكير بطريقة خالية من التحيزات، لأنّ تجاربنا الشخصية تؤثر في قراراتنا دون وعي منّا. مع ذلك، فالإنصاف يُعدّ من الصفات التي تميّز المفكّر الناقد.

التفكير الناقد والإعلام

يرتبط الإعلام بالتفكير الناقد ارتباطًا كبيرًا، حيث يُساعد التفكير الناقد المُشاهدين أو الجَمهور المُستهدف أو الأفراد على فهم وتقييم ما يتمّ نشره من قبل وسائل الإعلام، بما في ذلك: التلفزيون، والصحف، والإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، والراديو، والكُتب، وتحليل مصداقيّة المصادر والمعلومات التي يتمّ تقديمها.

فضلًا على ذلك، يُساعدنا التفكير الناقد على تمييز الأخبار الصحيحة والموثوقة من الأخبار الزائفة والمعلومات غير المُؤكّدة التي تُحاول التلاعب وتضليل المُتلقي.

خصائص التفكير الناقد

تتضمّن خصائص التفكير الناقد القُدرة على التمييز بين الحقيقة والزيف، والتحقّق من مصادر المعلومات قبل اعتمادها، وتضمّ أيضًا القدرة على التفكير بشكل منظم ومنهجي، وتطبيق مهارات الاستدلال المنطقي في تقييم الحجج والأدلة المُقدّمة.

مستويات التفكير الناقد

يتضمّن التفكير الناقد أربع مستويات، بما في ذلك: التحليل، التقييم، الاستنتاج، والتكييف.

خلاصة القول

باختصار، يُعدّ التفكير الناقد عمليّة حيويّة وضروريّة لتطوير القُدرة الفكرية والتمييز بين الحق والباطل.

يُساعد هذا النوع من التفكير على تحسين القُدرة على اتخاذ القرارات والتواصل بفعاليّة مع الآخرين، ويسهم في تعزيز التفكير المنطقي.


اكتشاف المزيد من Snazzy Skills

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقًا

Scroll to Top